منوعات

تجارة الشاي.. وكيف بدأ الصراع الصيني البريطاني من أجل “مشروب”؟ | قل ودل

يعتقد أن الصين هي أكثر الدول استهلاكًا للشاي بالعالم، حيث تشير التقارير إلى أنّ الشعب الصيني يستهلك ما يقرب من 1.6 مليار رطل من أوراق الشاي سنويًا.

لكن قبل ذلك، علينا أن نقف لحظة، لمراجعة تاريخ تجارة الشاي، الذي وصل لشهرته الحالية بعد سنوات من التنافس وأحيانًا الحروب بين الدول، طمعًا في السيطرة على خطوط تجارته.

ماذا تقول الأساطير؟

كان الشاي، إلى جانب الحطب، الأرز، الزيت، الملح وصلصة الصويا والخل، أحد الضروريات السبع للحياة الصينية، حيث يعود تاريخ اكتشافه لما يدنو من 5000 سنة مضت.

طبقًا للأسطورة، الإمبراطور الصيني الأسطوري وطبيب الأعشاب «شينونج» هو الشخص الذي ينسب له اكتشاف الشاي لأول مرة في عام 2737 قبل الميلاد، عندما توقف هو وحاشيته للراحة أثناء السفر، وقام خادم بغلي الماء ليشربه، وقتئذٍ سقطت ورقة ميتة من شجيرة شاي في الماء، وبحسب ما ورد في الأسطورة، كان الإمبراطور يحب أن تُغلى مياه الشرب الخاصة به قبل أن يشربها.

شربه شينونج واستمتع بنكهته، مشيرًا إلى أنه شعر كما لو كان السائل يفحص كل جزء من جسده، ونتيجة لذلك، أطلق على الشراب اسم «ch’a»، وهي شخصية صينية تعني التحقق، ومن هنا بدأت الرحلة.

الصين وتجارة الشاي

أسطورة شينونج الصينية.

قبل أن يتحول الشاي لمشروب منتشر على نطاق واسع، تم استخدامه كعلاج طبي من قبل النخبة في وقت مبكر من عهد أسرة هان، بعد ذلك، نُسب الفضل للرهبان البوذيين لتطويرهم شرب هذا المشروب ليصبح عادة؛ لأن محتواه من الكافيين ساعدهم على التركيز خلال ساعات طويلة من الطقوس والتأمل.

طبقًا لكتاب «The Clas­sic Of Tea»، خلال الفترة ما بين القرن الـ4 إلى القرن الـ8 حظي الشاي بانتشار هائل داخل الصين، حيث لم يعد يستخدم لخصائصه الطبية، بل أصبح يُقدَّر باعتباره من المرطبات اليومية، بالتالي انتشرت مزارعه في جميع أنحاء الصين، وأصبح العاملون في تجارته أثرياء، في حين يزعم البعض أن امتلاكه كان دلالة على الثراء والمكانة المرتفعة بالمجتمع.

هوس بريطانيا

بمطلع القرن الـ17، وجد الشاي طريقًا لأوروبا عن طريق البرتغاليين والهولنديين، ويعتقد أن الملك تشارلز الثاني الذي تزوج من الأميرة البرتغالية كاثرين من براغانزا عام 1662، كان قد قدم لها صندوقا من الشاي الفاخر مهرا لها، وبدورها قدّمت كاثرين هذا المشروب لصديقاتها من الطبقة الأرستقراطية، اللاتي أعجبن بمذاقه، لينتشر كمشروب عصري بين طبقة النبلاء في إنجلترا.

بشكل عام، سيطرت الإمبراطورية الصينية بشدة على تحضير الشاي وزراعته، والذي ظل مكلفًا للغاية وحكرًا على الطبقات العليا.

وفي عام 1664، بدأت ملامح صراع مقبل في الظهور، عندما قدمت شركة الهند الشرقية البريطانية طلبًا بالحصول على 100 رطل من الشاي الصيني لأول مرّة.

في عام 1689، ارتفعت الضرائب العقابية في بريطانيا، ما أدى إلى موت تجارة الشاي، لكن بالتوازي مع ذلك انتعشت السوق السوداء؛ حيث قامت العصابات الإجرامية بتهريب حوالي 7 ملايين رطل من الشاي إلى بريطانيا سنويًا، مقارنة باستيراد قانوني يبلغ 5 ملايين رطل.

مكّن ذلك الطبقة الوسطى وحتى الطبقة الدنيا من شرب الشاي، بعدما كان حكرًا في السابق على الأغنياء.

كيف لعب الشاي دورًا في حرب الأفيون؟

الشاي
حروب الأفيون.

مع نمو استهلاك الشاي في بريطانيا، لم تستطع الصادرات البريطانية مواكبة طلبها على واردات الشاي؛ حيث لم تكن تقايضه سوى بالفضة، وهو الأمر الذي ثبُت استحالة توفيره من قبل بريطانيا.

في النهاية، وصلت بريطانيا إلى حل غير قانوني؛ يتمثّل في زراعة الأفيون في مستعمرتها في الهند، وجعلت الصين تستورده من الهند مقابل الفضة، ثم استردت الفضة نفسها مع الصين مقابل الشاي، الذي تم استيراده إلى بريطانيا.

بمنتصف القرن الـ19، حاولت الصين حظر الأفيون، بالتالي أعلنت بريطانيا الحرب على الصين؛ لأن هذا الحظر يعني الإضرار بمصالحها، بينما ردّت الصين على ذلك بفرض حظر على كل صادرات الشاي.

وبعد 21 عامًا من الصراع، الذي عرف بحروب الأفيون، وامتد من 1839 إلى 1860، هُزمت الصين، وكانت هذه بداية انهيار نظام السلالات الصينية الحاكمة القوية.

يعتقد أن أحد أكثر الأحداث المؤثرة في حروب الأفيون هو سرقة نباتات الشاي الصينية وطرق صنع الشاي ومعالجته في عام 1848، من قبل عالم النبات والرحالة الأسكتلندي روبرت فورتشن.

قام فورتشن، الذي تنكر على هيئة تاجر شاي صيني ‑كطريقة لشراء النباتات والحصول على المعلومات- بزراعة مزارع ضخمة لصنع الشاي في الهند، وبحلول عام 1888، تفوقت واردات الشاي البريطانية القادمة من الهند على الصين لأول مرة في التاريخ.

حاليًا، يُستخدم مصطلح «الشاي» كمصطلح شامل للعديد من أنواع المشروبات المختلفة في الغرب، ومع ذلك، فإن الكلمة تنطبق فقط على المشروبات المصنوعة من أوراق نبات الكاميليا الصيني الأصلي الذي سقط أولاً في الماء الساخن للإمبراطور.

بذكر الغرب، تعد بريطانيا وفقًا لآخر التحديثات إحدى أكثر الدول الغربية استهلاكًا للشاي، حيث يقدّر استهلاكها بحوالي 100 مليون كوب يوميًا، أي ما يعني نحو 36 مليار كوب في السنة، ومن هنا يمكننا إدراك السبب خلف سعي بريطانيا في تأمين حصة ضخمة من الشاي ‑صيني المنشأ سابقًا- حتى وإن استدعى ذلك الدخول في حرب حقيقية.

 

 

المصدر:
طالع المصدر الأصلي من هنا