منوعات

زواج عن طريق المواقع – مكساوي –

السؤال:

الملخص:

شاب عرَف فتاة عن طريق أحد مواقع التواصل، وكلَّم أهلها، ولما أخبر أهله بالأمر، رفضوا بشدة، وإزاء ذلك الرفض استسلم، لكنه لا يستطيع أن ينسى الفتاة الأولى، ويسأل: ما الحل؟

 

تفاصيل السؤال:

تعرفتُ على فتاة عن طريق موقع زواج، ووجدت راحة تُجاهها، واتفقنا مبدئيًّا، وأخذت رقم أهلها، وتقدمت لأهلها دون علم أهلي، فطلبت زيارتي لهم مع عائلتي، وبعدها أخبرت أهلي، فرفضوا رفضًا شديدًا؛ لسببين: الأول: أن طريقة التعرف عليهم غير مناسبة، والثاني: أنها من منطقة أخرى وعاداتها تختلف، وأصرُّوا على الرفض دون معرفة وجهة نظري، بل يعتبرون التفكير في الأمر عقوقًا، ومع الضغوط استسلمت؛ لأني رأيت غضبًا وحزنًا منهم، وقالوا: إنهم سيبحثون لي عن زوجة من معارفنا، لكن ما زلت متعلقًا بها، ودائمَ التفكير بها، وأتمنى أن أتزوج منها، رغم أنني لم أرَها قط، وقد تكون غير جميلة، لكنَّ لدي إحساسًا أنها صالحة، ولا يفرَّط بها، وأعتقد أنها مناسبة، ولن أجد مثلها إلا بصعوبة، وأصبحت أدعو الله في الصلاة وقيام الليل أن يجعلها من نصيبي إن كانت من الصالحين، وأن يبعدها عني إن كانت عكس ذلك، وتزداد رغبتي بالزواج منها، وقد استخرت الله لأيام، فهل أتقدم إليها من جديد؟ وقد أخبرت أهلي مرة أخرى، وكأني قد ارتكبت جرمًا؛ إذ يسبب لهم الأمر ضيقًا شديدًا، فاضطررت مرة أخرى أن أقول: سأفعل ما تريدون، فما الحل برأيكم؟ حتى إني أصبحت أفكر في الموضوع كثيرًا، حتى صرت أفكر أن أتزوج من يختارونها لي أهلي، وبعدها أقوم بالتزوج من التي أرغب بها، وبذلك لن يكون لهم حجةٌ، ولكن أرجع فأقول: كيف أفكِّر في الزواج بأكثر من امرأة وأنا عزبٌ، فهل يصح هذا؟ وهل سيوافقون؟ وهل ستكون موجودة إذا تقدمت إليها بعد زواج، أو ستكون قد تزوجت أيضًا؟ أرجو أن ترشدوني، بارك الله فيكم.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فملخص المشكلة: يذكر الشاب أنه تعرَّف على فتاة، عن طريق موقع زواج، وتقدم لأهلها خاطبًا، دون علم أهله، وطلب أهل المخطوبة زيارة أهله لهم وخطبة الفتاة، رفض أهله الطريقة التي سلكها الشاب، في التعرف على الفتاة بهذه الطريقة، وأيضًا هي من قبيلة أخرى تختلف عادتها عن عاداتهم، وأصرُّوا عليه أن يخطبوا له من معارفهم، استجاب الشاب لطلبهم، لكنه متعلق بالفتاة، ويشعر أنها صالحة ومناسبة، رغم أنه لم يَرَها الرؤية الشرعية، لكنه إحساس وشعور، ثم خطرت له فكرة أن يستجيب لطلب أهله، ويتزوج من يختارونها له، ثم بعد ذلك يتزوج هذه الفتاة زوجة ثانية؛ ليقطع حجتهم، ويعيش في حيرة من أمره، يطلب الإرشاد والتوجيه.

 

التوجيه حيال هذه المشكلة:

١- اختيار الزوجة الصالحة مطلب شرعي وحياتي، من أجل بناء حياة سعيدة، متكاملة من كل النواحي الدينية والاجتماعية، ولذا جاء التوجيه الكريم في الاختيار المناسب؛ فمن حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تُنكَح المرأة لأربع: لمالها، ولحسَبِها، ولجمالها، ولدِينها، فاظفَرْ بذات الدين تربتْ يداك))؛ [متفق عليه].

 

٢- لم تكتمل لديك المعرفة التامة بهذه الفتاة، مجرد تعارف عن طريق موقع، وزيارة سريعة لأهلها، وشعور وإحساس فقط أنها صالحة ومناسبة، وهذا ما أوضحته في رسالتك، أنك لم ترها، وقد تكون غير جميلة مثلما قلت، لكن إحساسك هو الذي قادك لهذه القناعة، والإحساس والشعور لا تُبنى عليه حقائق؛ لأنه متغير بما يُشاهد على أرض الواقع، فكان الأولى بك بدايةً أن تطلب الرؤية الشرعية للفتاة من أهلها؛ لتكون على بينة من أمرك؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((أنه قال له رجل تزوج امرأة؛ يعني: أراد زواجها، قال: أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: اذهب فانظر إليها؛ قال صلى الله عليه وسلم: إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها؛ فليفعل)).

 

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ((كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ الأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الأَنْصَارِ شَيْئًا))؛ [رواه مسلم].

 

٣- بعد هذه الخطوة، وقبل التقدم رسميًّا لخطبة الفتاة من أهلها، يأتي دورك، في إقناع أهلك بهذه الفتاة، وخاصة القريبات: الأم والأخوات، والأب، وذلك ببيان المواصفات التي دعتك إلى نكاحها من الدين، والجمال، وغيرها، والمحاولة في ذلك حتى الإقناع.

 

٤- بعد هذه الخطوة تأتي مرحلة الاستخارة فيما تقدم عليه من نكاح هذه الفتاة.

 

٥- لا تبنِ قراراتك على أحاسيسك وشعورك، إنما تحقق مما تريد الإقدام عليه، بعد دراسة كل الجوانب المتعلقة به، وخاصة مسألة الزواج؛ لأنه مسألة مصيرية، وحياة ترغب فيها الاستقرار والديمومة؛ وعلى هذا، فعليك أن تراجع تخطيطك للإقدام على هذا القرار.

 

٦- رأيُ الأهل معتبر في مسألة الزواج، بخاصة الوالدان والأخوات، واستشارتهم مطلب، لكن القرار الأخير يخصك؛ فأنت الذي تقرر قبولك أو رفضك للارتباط بأي فتاة كزوجة لك، وأم لأولادك مستقبلًا، فلا مجال للمجاملة، والرضوخ لمطلب الأهل في الزواج من فتاة أنت لا ترغب فيها، ولست مقتنعًا بها، ولم تر ما يدعوك لنكاحها، نعم، أمي وأختي، وهذه بنت عمي أو خالي، أو غيرها من القريبات، لكن لا تُقدم بدون قناعة تامة، فكم من زواج فشل! وأصبح اللوم بين الشاب وأهله، وأصبحت قطيعة رحم بسبب هذا، والكل يلوم الآخر بعدم القناعة في ذلك.

 

٧- كون يخطر ببالك أو تفكِّر في الاستجابة لمطلب أهلك، في تزويجك من يختارون، بدون رغبة ولا قناعة منك في الزوجة، فقط لإرضاء أهلك، ومن ثَمَّ تعود لتلك الفتاة وتتزوجها، هذا التفكير والتخطيط غير منطقي، وتشوبه عدة عقبات؛ من أبرزها: كيف ستعيش مع فتاة بداية ليست من اختيارك ولا قناعتك؟ وهل تطمئن أن تحقِّق هدفك بالزوج مرة ثانية من الفتاة الأولى التي اخترتها؟ وهل توافق؟ وهل تستطيع أن تدير حياتك في هذه الظروف، وأنت في مستهل عمرك؟

 

٨- يبدو من رسالتك أنك على خيرٍ ما دام أنك تلتجئ إلى الله تعالى بالدعاء، والاستخارة، والبحث عن الزوجة الصالحة، وبرك بوالديك، فلن يخيب الله رجاءك، وسوف يرزُقك الله تعالى الزوجة الصالحة التي تتمناها وتسعدك بإذن الله.

 

٩- مما ينبغي للمسلم ألَّا يتحسر ولا يتندم على شيء لم يكتبه الله له: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، بل على المسلم أن يقتنع بما رزقه الله إياه، ويطلب البركة فيه.

 

أسأل الله تعالى أن يرزُقك الزوجة الصالحة، ويرزقك الذرية التي تقرُّ بها عينك، إنه جوادٌ كريم.