التخطي إلى المحتوى


المزيد من المشاركات

بيعة العقبة الأولى

تحقيقًا لأداء البلاغ المبين، فإن صد القبائل للنبي صلى الله عليه وسلم لم يَثْنِه عن التبليغ، وكان واثقًا أن الله تعالى سينصر دينه ويعلي كلمته، ولكن لا بد من العمل والسعي وبذل الوسع وأقصى الجهد، ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ﴾ [يونس: 99]؛ فسنَّة الله في الحياة السعي والعمل، واللقاء مع الناس وإيصال الدعوة لهم، ﴿ مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ ﴾ [المائدة: 99]، وبينما النبي صلى الله عليه وسلم عند العقبة لقي رهطًا من الخزرج فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام، وكان بعض قبائل اليهود يقيمون في يثرب، وسكان المدينة من الأوس والخزرج أهل أوثان، فكان إذا حصل خلاف أو اقتتال بين اليهود والعرب يقول اليهود: إن نبيًّا يبعث قريبًا نتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وثمود، فقال أولئك النفر بعضهم لبعض: هذا والله النبي الذي تتوعدكم به اليهود، فأجابوه وصدقوه، وقالوا له: إن بين قومنا شرًّا، وعسى الله أن يجمعهم بك، فإن اجتمعوا عليك فلا رجل أعز منك، ثم انصرفوا، وكانوا سبعة نفر من الخزرج، على رأسهم أسعد بن زرارة، فلما عادوا إلى يثرب ذكروا لهم النبي صلى الله عليه وسلم، ودعَوْهم إلى الإسلام، وما هو إلا قليل وقت حتى فشا فيهم، حتى إذا جاء العام القادم وافى الموسم من أهل يثرب اثنا عشر رجلًا، فالتقى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة، وهي العقبة الأولى، فبايعوه بيعة النساء – ليس فيها التزام بالقتال ضد المشركين، قال عبادة بن الصامت: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة النساء؛ على ألا نشرك بالله شيئًا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف، فإن وفيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم من ذلك شيئًا فأمركم إلى الله عز وجل، إن شاء غفر وإن شاء عذب، وفي رواية: ((وإن غشيتم من ذلك شيئًا فأخذتم بحده في الدنيا فهو كفارة له، وإن سترتم عليه إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله عز وجل: إن شاء عذَّب وإن شاء غفر))، وعند منصرفهم إلى المدينة أرسل معهم مصعب بن عمير وأمره أن يقرئهم القُرْآن ويعلمهم الإسلام، فنزل مصعب بيثرب على أسعد بن زرارة، وبدأ مصعب مهمته على أحسن وجه، لكن سعد بن معاذ زعيم الأوس أزعجه ما كان يقوم به مصعب، فأرسل أسيد بن الحضير لكي يخرجهما من حيه، وأسعد بن زرارة ابن خالة سعد بن معاذ، فحمل أسيد حربته وانطلق إلى مصعب بن عمير، فلما قرب قال أسعد لمصعب: هذا سيد قومه، فاصدُقِ الله فيه، فلما جاء، قال: ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة، فقال مصعب: أو تجلس فتسمع؛ فإن رضيت أمرًا قبلته، وإن كرهته نكف عنك ما تكره! قال: أنصفتَ، ثم ركز حربته وجلس إليهما فكلمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القُرْآن، فعرف في وجهه الرضا والقبول، فبعد أن انتهى قال أسيد: ما أحسن هذا وأجَلَّه! كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الدين؟ فقالا: تغتسل وتطهر ثوبك وتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ثم تصلي ركعتين، ففعل وتعلم كيفية الصلاة، فصلى ركعتين، وأخذ حربته وانطلق إلى نادي قومه، فلما رآه سعد بن معاذ قال: أحلف لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به، فقال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلمت الرجلين، والله ما رأيت بهما بأس، وافتعل أمرًا لكي يذهب سعد إلى مصعب ليسمع منه، فذهب، وكلماه، فعرض عليه مصعب الإسلام وقرأ عليه القُرْآن، فأسلم وتطهر وصلى ركعتين، ثم ذهب إلى نادي قومه، فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا، قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله، فما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلم أو مسلمة، وواصل مصعب عمله بالدعوة وأعداد الداخلين في الإسلام تزداد، وكان معه ابن أم مكتوم يساعده في نشر الدعوة؛ كما ورد في صحيح البخاري.

رابط المصدر