منوعات

أمي لا تطيقني – مكساوي –

السؤال:

الملخص:

فتاة في خلاف مع أمها؛ فهي ترى أن أمها تنتقدها كثيرًا، ولأشياء تافهة، في حين أنها تعامل أختها الصغرى معاملة طيبة، وقد تضجَّرت من تلك المعاملة، وتسأل: ما الحل؟

 

التفاصيل:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مشكلتي موجودة منذ سنتين، إذ أُصبت بالاكتئاب وهجرتني أمي أسبوعًا كاملًا، طرفا المشكلة: أنا وأمي، فمهما بذلت من جهود، فإن علاقتي بأمي لا تتحسن؛ فهي تنتقدني كثيرًا، وتعلق على أتفه الأفعال التي تصدر مني، وأنا – بطبعي – أكره الانتقاد، وإذا ما حاولت ألَّا أكرر الموقف الذي انتقدتني فيه، أراها تنتقدني في أمر آخرَ، إن غِبتُ عنها ساعة، فإنها تلقي باللائمة عليَّ: لمَ لمْ أسأل عنها؟ وتتهمنا بأننا لا نرغب في وجودها، وإذا اشتريت شيئًا جديدًا، تسألني: لمَ لم تشتري لأختكِ مثلكِ؟ وإذا طلبت مني فعل شيء، تسألني عنه في اليوم التالي إن لم أفعله، فلم أعد أطيق الجلوس معها، لا تقدِّر أي عملٍ أقوم به، إذا لم أستيقظ مبكرًا، تغضب مني، وأحيانًا لا تكلمني، في حين أنها لا تفعل هكذا مع أختي أو أخي، فهم يعيشون بهناء، أمي تحابي أختي؛ لأنها مصابة بالقولون ولأنها الصغرى، وتنتقدنا كثيرًا عند خالتي، وتسيء لنا كأننا لا يُعتمد علينا، ولا نعرف شيئًا في الحياة، إذا امتدحت أمي، فلا ترد الكلمة الطيبة بمثلها، بل ترى ذلك حقًّا مكتسبًا لها، توبخني بشكل غير طبيعي على أمور تافهة، أنا أسعى لتغيير الأمور التي تعاتبني عليها، لكني أريد منها أن تحبني وتلتمس لي العذر، لم أعد أطيق معاملتها بهذا الشكل، أود مصارحتها بما يجول في خاطري، لكني لا أستطيع فأنا لم أعتد على ذلك، وأخشى أن أسيء إليها، فكلامنا اليومي إما أن يكون لومًا، أو لا يكون ثمة كلام، أرشدوني ماذا أفعل، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فيبدو من سردكِ لمشكلتكِ المعالم الآتية:

١- أنتِ تُعانين من تصرفات غير مناسبة من والدتكِ، بينما تصرفاتها مع إخوانكِ سليمة، وهذا محل استغراب واستفهام وتعجب؛ إذ لا بد من أسباب لذلك.

 

٢- ذكرتِ أنكِ مصابة باكتئاب، ويبدو أن له أثرًا في تعاملكِ مع أمكِ بطريقة غير سوية، ومن ثَمَّ فقد عاملتكِ بنفس الطريقة.

 

٣- يبدو أنكِ قد أخطأتِ مع أمكِ أخطاء قديمة جدًّا وجديدة لم تتحملها أمكِ، ورسخت في ذهنها صورة أخرى عنكِ.

 

٤- يبدو أنكِ تُزكين نفسكِ، وترين نفسكِ على حق دائمًا ومظلومة دائمًا، ولا تعترفين بأخطائكِ، وهذه النظرة السوداوية للأم وللمجتمع تُفاقم الأخطاء، وتزيد من تبعاتها المؤلمة.

 

٥- وصفكِ لتصرفات والدتكِ إن صدقتِ فيه، يتضح منه أن والدتكِ قد تكون من النوع المثالي الذي يريد كل شيء كاملًا، ومن النوع الذي لا يتحمل الأخطاء؛ ولِما سبق أقول مستعينًا بالله سبحانه: لعل حل مشكلتكِ بمشيئة الله في الآتي:

أولًا: لا بد من علاج طبي جذري للاكتئاب؛ فهو سبب خطير لكثير مما تعانين منه.

 

ثانيًا: لا تتعاملي مع أمكِ تعاملًا نديًّا، ولا تعامل مقايضة، إن أحسنت إليكِ، أحسنتِ إليها، وإن أساءت إليكِ أسأتِ إليها، فهي والدتكِ لها حقوق عظيمة عليكِ، بل أعظم حق بعد حقوق الله سبحانه هو حق الوالدين؛ لقوله سبحانه: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23].

 

ثالثًا: استمري في برها والإحسان إليها، والصبر على أذاها، وستجدين – بإذن الله – نتائج ذلك تغيرًا في سلوكها معكِ، ولكن لا تستعجلي الثمار.

 

رابعًا: تفقدي سلوككِ السابق واللاحق معها، واستغفري مما بدر منكِ معها، وصححي أخطاءك؛ لتنالي مغفرة وعزًّا، وتفريجًا لكربكِ.

 

خامسًا: من طباع بعض الكبار – وخاصة الآباء والأمهات – عدم قبول النصيحة ممن يصغرونهم، سيما الأبناء، وخاصة إذا اتسمت النصائح بالحدة؛ ولذا فعليكِ التسلح بالحكمة والرفق معهم، والصبر والتغاضي؛ فما كل ما يُلحظ يجب نقده، بل التغافل أولى وأنفع؛ تأملي الحديث الآتي، واجتهدي في العمل به مع والديكِ ومع غيرهم؛ فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى))؛ [رواه البخاري].

 

حفظكِ الله، وفرج كربتكِ، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.